[و انزل من السماء ماء]

كان الناس في قديم الزمان يؤمنون ان الالهة هي من تنزل المطر من السماء. نجد في جميع الديانات طقوس خاصة لاستنزال المطر من الرقص الى قرع الطبول الى صلاة الاستسقاء. كانت عملية نزول المطر من الامور المستعصية على الفهم بالنسبة للعقل البشري. و طبعا مثلها مثل كثير من الامور الصعبة التفسير نجد ان التفسير الاسهل والاقل اعمالا للعقل هو بارجاع الامور والقائها على عاتق الكائن الخرافي القادر على فعل المستحيلات وهي في حالتنا هذه، الالهة.

كيف ترضي الالهة و تجعلها تنزل المطر من السماء؟ بالتضرع والتقرب اليها كل حسب تقاليده و كيفية فهمة لالهه الخاص. سواء بقرع الطبول او الرقص و حتى بتقديم القرابين البشرية والحيوانية.

مع تطور التفكير العقلاني و طرق البحث العلمي اكتشف العلماء دورة الماء. دورة الماء كما نعلم هي باختصار تبخر المياه من المسطحات المائية و تجمعها في السحب لتتكثف بعد ذلك في طبقات الجو العليا و تزيد وزنها لتسقط بعد ذلك مطرا او ثلجا او بردا (بفتح الراء).

كان الاغريق يعتقدون ان المطر عذاب من عند الالهة. كان المطر يرمز الى الغرق و الاحباط حيث كان دائما ما يزعج و يخرب اعمالهم.

على العكس نجد ان المطر عند العرب عامة و المسلمين خاصة يعتبر رحمة. نلاحظ ايضا في نشرات الاخبار قول المعلق انه قد تم نزول الامطار على بعض من مناطق المملكة رحمة ونعمة من الله و ان يديمها علينا. يعتبر المسلمون ان من اسباب عدم نزول الامطار كثرة الذنوب و قلة الاستغفار وعدم دفع الزكاة و قلة الصدقة وغضب الله علينا. تخاريف؟ ممكن! كلما يبدأ المسلمون بصلاة الاستسقاء ابدأ انا بالتفكير، هل نحن فعلا نعيش في القرن الواحد والعشرين؟ لا زلنا نؤمن بالخرافات. اكبر خرافتين صلاة الاستسقاء و صلاة الخسوف!

اذا كنا نعلم بنسبة 100% ان بعد يومين ستنزل الامطار على المملكة، ما فائدة صلاة الاستسقاء؟ هل هي وسيلة لتجميل وجه الله؟ ام هل هي وسيلة لابقاء الله مسيطرا على كل شيء؟

اكتشف العلماء حديثا طريقة جديدة لاستنزال المطر حتى في اكثر الاماكن جدبا وقحطا و صحراء اسمها استمطار السحب او cloud seeding. الطريقة باختصار هي رش السحب او الضباب بثاني اكسيد الكربون المجمد او يود الفضة. مفتاح النجاح هنا هو احتواء السحب على قطرات ماء سوبر كوولد (supercooled) يعني قطرات ماء بدرجة حرارة اقل من درجة الصفر المئوية. وظيفة المواد المرشوشة هي ان تبلور قطرات الماء الموجودة في السحب لدرجة التجمد ليزيد حجمها و تتساقط كثلج او في حالة ذوبانها في الطريق، كمطر.

كان هناك خبر في جريدة الوطن السعودية عن برنامج استمطار السحب. الخبر يعكس مدى التقدم العلمي الذي وصلت اليه البشرية و مدى التقدم الذي تحرزه المملكة في استخدام التقنيات الحديثة لجعل بلدي اجمل بزيادة الرقع الخضراء. ولكن يأبى المتأسلمون من التقدم. اريكم هنا اعزائي القراء بعضا من تعليقات المتخلفين.

"استمطار السحب بالتوبه الى الله واداء الزكوات ورفع الظلم وانا اظمن لكم اباذن الله الامطار والخير ومايحتاج المخاسير هذي كلها. مااقول الا الله يرحمنا برحمته. احمد الشمري"

الاخ اللي فوق شايف انه هذه ما هي الا اسراف وتبذير للنقود و المجهود.

"الحل مو بالاستمطار اللي فيه تحدي واضح الحل في قول الله تعالى (( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم أنهارا)). Queen"

لا تعليق!!

"الأول لما يهطل الأغنياء على الفقراء بالزكاة الخالصة لوجه الله إنشاء الله وبقدرته سيرسل الأمطار . الآن الزكاة وفعل الخير دخل فيه محسوبيات إلا مارحم الله. قحطانى"

هذه التعليقات تعكس مدى اهتمام "الامه" الاسلامية بالعلم. بلا علم بلا كلام فاضي. اهم شي الصلاة و التقرب الى الله بفعل الطاعات وترك المعاصي. قمة التخلف الاسلامي!

عندنا في جدة مصنع لتحلية المياه المالحة، لهذا المصنع اربعة مداخن تنفث الدخان ليلا ونهارا كفضلات لعملية التحلية. سألني اخي الصغير- وقتها كان عمره لا يتجاوز الستة او السبعة سنوات – عندما كنا نتجاوز المصنع بالسيارة امن هنا تتكون السحب؟ قلت لا و حضرت نفسي لالقي على مسامعه محاضرة مبسطة على كيفية تكون السحب. لاجد امي فجأة تخبره بان الله هو من يكون السحب وينزل الامطار. اعتقد ان امي كانت تريد تجنب الخوض في العملية المعقدة لدورة الماء فارتأت ان تجيبه بابسط اجابه.

هل لله علاقة في هذه العملية؟ يقول الله في القرآن ]الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم[. نعلم الان ان ليس له اية علاقة في هذه العملية لا من قريب ولا من بعيد. ولكن كما هي عادته يحب الله دائما ان يحشر انفه في كل صغيرة و كبيرة. وان ينسب لنفسة الفضل في كل شيء. المطر اعزائي القراء عملية فيزيائية بحتة. شكرا لعلم الارصاد نستطيع الان ان نعلم بالتحديد حالة الطقس و وقت نزول الامطار. وشكرا لعملية استمطار السحب نستطيع ان نجعل العالم مكانا افضل.